علمني حبك ..أن أحزن
و أنا محتاج منذ عصور
لامرأة تجعلني أحزن
لامرأة أبكي فوق ذراعيها مثل العصفور
لامرأة.. تجمع أجزائي
كشظايا البلور المكسور
***
علمني حبك سيدتي أسوء عادات
علمني أخرج من بيتي
في الليللة ألاف المرات..
و أجرب طب العطارين..
و أطرق باب العرافات..
علمني ..أخرج منبيتي..
لأمشط أرصفة الطرقات
و أطارد وجهك..
في الأمطار..
و في أضواء السيارات..
و أطارد ثوبك..
في أثواب المجهولات
و أطارد طيفك..
حتى..حتى..
في أوراق الإعلانات..
علمني حبك كيف أهيم على وجهي..ساعات
بحثا عن شعر غجري
تحسده كل الغجريات
بحثا عن وجه ٍ..عن صوتٍ..
هو كل الأوجه و الأصواتْ
***
أدخلني حبكِ.. سيدتي
مدن الأحزانْ..
و أنا من قبلكِ لم أدخلْ
مدنَ الأحزان..
لم أعرف أبداً..
أن الدمع هو الإنسان
أن الإنسان بلا حزنٍ
ذكرى إنسانْ..
***
علمني حبكِ..
أن أتصرف كالصبيانْ
أن أرسم وجهك بالطبشور على الحيطانْ..
و على أشرعة الصيادينَ
على الأجراس, على الصلبانْ
علمني حبكِ..كيف الحبُّ
يغير خارطة الأزمانْ..
علمني أني حين أحبُّ..
تكف الأرض عن الدورانْ
علمني حبك أشياءً..
ما كانت أبداً في الحسبانْ
فقرأت أقاصيصَ الأطفالِ..
دخلت قصور ملوك الجانْ
و حلمت بأن تزوجني
بنتُ السلطان..
بلك العيناها ..
أصفى من ماء الخلجانْ
تلك الشفتاها..
أشهى من زهر الرمانْ
و حلمت بأني أخطفها مثل الفرسانْ..
و حلمت بأني أهديها أطواق اللؤلؤ و المرجانْ..
علمني حبك يا سيدتي, ما الهذيانْ
علمني كيف يمر العمر..
و لا تأتي بنت السلطانْ..
***
علمني حبكِ..
كيف أحبك في كل الأشياءْ
في الشجر العاري, في الأوراق اليابسة الصفراءْ
في الجو الماطر.. في الأنواءْ..
في أصغر مقهى.. نشرب فيهِ..
مساءً..قهوتنا السوداءْ..
علمني حبك أن آوي..
لفنادقَ ليس لها أسماءْ
و كنائس ليس لها أسماءْ
و مقاهٍ ليس لها أسماءْ
علمني حبكِ..كيف الليلُ
يضخم أحزان الغرباءْ..
علمني..كيف أرى بيروتْ
إمرأة..طاغية الإغراءْ..
إمراةً..تلبس كل كل مساءْ
أجمل ما تملك من أزياءْ
و ترش العطرعلى نهديها
للبحارةِ..و الأمراء..
علمني حبك أن أبكي من غير بكاءْ
علمني كيف ينام الحزن
كغلام مقطوع القدمينْ..
في طرق (الروشة) و (الحمراء)..
علمني حبك أن أحزنْ..
و أمنا محتاج منذ عصور
لامرأة تجعلني أحزنْ..
لامرأة تجمع أجزائي..
كشظايا البلور المكسور
نهر الأحزان
عيناكِ كنهري أحـزانِ
نهري موسيقى.. حملاني
لوراءِ، وراءِ الأزمـانِ
نهرَي موسيقى قد ضاعا
سيّدتي.. ثمَّ أضاعـاني
الدمعُ الأسودُ فوقهما
يتساقطُ أنغامَ بيـانِ
عيناكِ وتبغي وكحولي
والقدحُ العاشرُ أعماني
وأنا في المقعدِ محتـرقٌ
نيراني تأكـلُ نيـراني
أأقول أحبّكِ يا قمري؟
آهٍ لـو كانَ بإمكـاني
فأنا لا أملكُ في الدنيـا
إلا عينيـكِ وأحـزاني
سفني في المرفأ باكيـةٌ
تتمزّقُ فوقَ الخلجـانِ
ومصيري الأصفرُ حطّمني
حطّـمَ في صدري إيماني
أأسافرُ دونكِ ليلكـتي؟
يا ظـلَّ الله بأجفـاني
يا صيفي الأخضرَ ياشمسي
يا أجمـلَ.. أجمـلَ ألواني
هل أرحلُ عنكِ وقصّتنا
أحلى من عودةِ نيسانِ؟
أحلى من زهرةِ غاردينيا
في عُتمةِ شعـرٍ إسبـاني
يا حبّي الأوحدَ.. لا تبكي
فدموعُكِ تحفرُ وجـداني
إني لا أملكُ في الدنيـا
إلا عينيـكِ ..و أحزاني
أأقـولُ أحبكِ يا قمـري؟
آهٍ لـو كـان بإمكـاني
فأنـا إنسـانٌ مفقـودٌ
لا أعرفُ في الأرضِ مكاني
ضيّعـني دربي.. ضيّعَـني
إسمي.. ضيَّعَـني عنـواني
تاريخـي! ما ليَ تاريـخٌ
إنـي نسيـانُ النسيـانِ
إنـي مرسـاةٌ لا ترسـو
جـرحٌ بملامـحِ إنسـانِ
ماذا أعطيـكِ؟ أجيبيـني
قلقـي؟ إلحادي؟ غثيـاني
ماذا أعطيـكِ سـوى قدرٍ
يرقـصُ في كفِّ الشيطانِ
أنا ألـفُ أحبّكِ.. فابتعدي
عنّي.. عن نـاري ودُخاني
فأنا لا أمـلكُ في الدنيـا
إلا عينيـكِ... وأحـزاني